عرفت آزمور منذ نشأتھا طابعا حضاریا متمیزا من خصوصیته التعدد الثقافي و التعایش و التسامع بین الأدیان،
ھذا الأمر شكل وعیا تاریخیا و دینیا و علمیا و جمالیا، فكل ھذه المفاھیم أحدثت تحولات حضاریة ھي نتاج لتحولات في الوعي ساھمت في بناء أسلوب حیاة كان لھا الأثر الكبیر في نظرتنا لتاریخ مدینتنا آزمور و علاقاتنا بالآخر، لكن الفاجعة التي عاشتھا مدینة آزمور أيام 3 و 4 و 5 و 6 من شهر ابریل الجاري 2019 تزامنا مع زیارة اب الفاتيكان إلى المغرب، تؤكد على خدمة مجانیة لمواقف مسبقة و انحیازات ضیقة من خلال منظور سیاسي ھش و فضفاض لرئیس جماعة آزمور في التعامل مع الملفاة التاریخیة للمدینة، و عن مفھوم دیني رجعي بعیدا كل البعد عن روح الدين الإسلامي والتي من سمته إكرام المیت، و كذا الجھل بأصول الحضارة الحقیقیة في بعدھا الإنساني الكوني الشمولي.
إن نبش قبور موتى النصارى و البالغ عددھم أزید من 140 میت، و نقل رفاتھم من المقبرة المسيحية ديكري بآزمور والتي يعود تاريخها إلى سنة 1930 أو أكثر من ذلك، إلى المقبرة المسيحية بالجديدة، بناءاٌ على رسالة تقدم بھا رئیس جماعة آزمور، إلى القنصلية الفرنسية، نعتبره جزء من مسلسل متواصل الھدف منه إحداث قطیعة مع ثقافة التسامح و التعایش الدیني الذي طبع مدینة آزمور عبر الحقب التاریخیة، و طمس وتضلیل للمعالم التاریخیة للمدینة الشاھدة على التنوع الحضاري و الثقافي لھا.
و ھذا الفعل المشین یتخذ في تاریخنا الراھن منظورا خاصا و یدفعنا على طرح أحد الأسئلة الرئیسیة یھم تواصل حضورنا التاریخي؟ وأیضا سؤال وجودنا نفسه، باعتبار أن وجودنا مرتبط باختلافنا مع الآخر؟
إن ما أقدم علیه رئیس جماعة آزمور بإتلافه حقبة من تاریخ آزمور، تتعلق بفترة الحمایة الفرنسية ، ھو إنكار واضح لھذه الحقبة، و السكوت على فضح ھذا الأمر ھو ھروب و تنصل من المسؤولیة التاریخیة الملقاة على عاتق كل الآزموریین وفعاليات المجتمع المدني والإعلامي المحلي الجادة.
و نحن الھیئة المغربیة لحمایة المواطنة و المال العام ندین ھذا التصرف انطلاقا من مقاصد الإسلام الذي یؤكد على التنوع الثقافي القائم على التواد و التآلف و سبل التعایش السلمي، و ما یترتب على ھذا من مبادئ سمحة و محبة ومودة و إنسانیة مع غیر المسلمین، و أیضا نشجب ھذا الفعل إنطلاقا من قناعتنا الحقوقیة التي تؤكد على مسألة التنوع والساعیة إلى تحقیق العدالة و حمایة حقوق الأقلیات الدینیة و الثقافیة و العرقیة…إلخ. التعددیة في إطار المواطنة الكاملة و المساواة العامة، و على قاعدة حقوق الإنسان محور التطور الحقیقي للمجتمعات و لأن حمایة الموروث الثقافي و التاریخي ھو جزء من مبادئنا كھیئة حقوقیة.
لذلك ومن أجله تعلن الهيئة المغربية للرأي العام المحلي والوطني والدولي ما يلي:
1- تدین وبقوة الفعل الإجرامي الذي قام به المجلس الجماعي لآزمور، في شخص رئیسھا، في حق رفاة النصارى.
2- تشجب الفعل الشنیع الذي مورس في حق موتى النصارى المجھولین و عددھم 46 میت، حیث دفنوا بشكل جماعي في المقبرة المسيحية بالجديدة بعدما كان رفاتھم مدفون بشكل فردي بمقبرة آزمور.
3- تعتبر ھذه العملیة برمتھا انتھاكا لحقوق الإنسان و تصرفا لا یلیق بأناس اختاروا الدفن بمقبرة آزمور.
4- تؤكد على أن ما قام به المجلس الجماعي لآزمور ھو شكل من أشكال طمس المعالم التاریخیة لمدینة آزمور.
5- نعتبر أن ترحیل رفاة موتى النصارى من مدینة آزمور ھو فعل ناتج عن قصور في مفھوم التنمیة لدى رئیس
المجلس الجماعي، لأنه بمنظور الأمم المتحدة الحق في التنوع الثقافي یمھد و یتساوى مع الحق في التنمیة.
6- ترفع إدانتنا لكل القوى الحیة و المنظمات و الھیئات الدولیة و العالمیة من قبیل الأمم المتحدة و منظمة الیونسكو والإیسسكو والحكومة الفرنسیة، و نشعرھم بخطورة ھذا الفعل الذي یجرد آزمور من اكبر دلیل على الانفتاح الثقافي و التعایش السلمي بین الشعوب.
7- تحمل رئیس جماعة آزمور عواقب ھذا الفعل الشخصي الذي یمس في العمق الموروث التاریخي و الحضاري لمدینة آزمور، و البحث التاریخي العلمي للمدینة المبني أساسا على الوثیقة و الحجة و الدلیل المادي.
8- لا تسمح بتوسع الوعاء العقاري لجماعة آزمور على حساب رفاة الأقلیة المسیحیة، و على حساب الحقیقة التاریخیة و الخصوصیة الحضاریة لمدینة آزمور المبنیة على حوار الأدیان و التعایش فیما بینھا.
9- تدعو جمیع ھیئات المجتمع المدني للتصدي لمثل ھذه التصرفات التي تھدف إلى إحداث قطیعة مع تاریخ آزمور المبني على التنوع و التعددیة و الإختلاف.
في النهاية، نخبركم أننا نحتفظ بحقنا في الموضوع، ودمت هيئتنا مستقلة وديمقراطية.
عن المكتب التنفيذي *
الرئيس الوطني
عبد الجبار فطيش