عرض مسرحية خلخال أغربال أخيرا على خشبة مسرح عفيفي بدعم من وزارة الثقافة غير أن ما كان ينتظر منه أن يكون لحظة إبداعية فنية تثري المشهد المسرحي المحلي تحول إلى فوضى مرتجلة تفتقر إلى أبسط مقومات العرض المسرحي المتماسك وتثير تساؤلات عميقة حول معايير الدعم والتأطير.
عند ولوجك قاعة العرض يخيل إليك أنك على موعد مع تجربة مسرحية طليعية ربما مستوحاة من التقاليد الشفوية أو المسرح الحلقاوي غير أن الواقع يكشف شيئاً آخر. استعراض مرتجل يفتقر إلى الحد الأدنى من البناء الدرامي حيث غابت الحبكة وتاه الممثلون في فوضى حركية تتخللها صرخات غير منضبطة وضرب عشوائي على الدفوف بدا وكأنه وسيلة للهروب من صمت العجز أكثر منه إيقاعا دراميا
عرض خلخال أغربال يمكن وصفه بفوضى مشهدية مزدوجة من جهة نرى عشرات الأطفال جالسين على ركح المسرح دون أي إشراف واضح أو إجراءات سلامة ما يشكل خطرا حقيقيا خاصة في ظل غياب الحواجز أو المراقبة التقنية. ومن جهة أخرى يبدو أن الممثلين المتمركزين وسط الركح يغوصون في أداء مرتجل يعتمد على ضرب الدفوف والحركات الجسدية دون وحدة موضوعية.
هذه الصورة العامة للمسرحية تلخص غياب التوجيه الإخراجي وخلط الأدوار بين الممثلين والجمهور في مشهد يمحو الحدود بين الخشبة والمدرج دون هدف فني واضح مما يفقد العرض وظيفته المسرحية ويدفع نحو التطبيع مع الفوضى بوصفها تجربة فنية
ومن أكثر الملاحظات إزعاجا أن العمل ينسب لمخرج يظهر فقط على الملصق أما على الركح فحضوره غائب كليا كل شيء يشير إلى غياب التوجيه الفني الحقيقي أداء الممثلين يغيب عنه التوازن إيقاع العرض يتذبذب بلا منطق وتوزيع الشخصيات لا يخدم أي بناء درامي. الأدهى من ذلك أن توظيف بعض عناصر المسرح الحلقاوي تم بشكل هاو دون فهم فلسفته أو أدواته التعبيرية مما حول الخشبة إلى حلقة فوضى لا أكثر.
ما يثير القلق حقا هو استدعاء عدد من الأطفال الصغار من الجمهور وزجهم فوق الخشبة دون أي اعتبار لسلامتهم الجسدية في ظل غياب الحماية من حواف الركح أو مراقبة حركتهم هذا التهور التقني يرقى إلى مستوى الإهمال خصوصا أن المسرحية في الأصل لا تناسب أعمارهم سواء من حيث الخطاب أو التلميحات التي لا تخلو من إيحاءات غير مناسبة لسنهم.
من حيث النص غابت أي ملامح للطرح الفكري أو الرمزي النص المسرحي إن وُجد أصلا لم يحمل بنية موضوعية أو تصعيدا دراميا بل بدا كأنه سلسلة من المشاهد المفككة تربط بخيوط مرتجلة من الصراخ والحركات الجسدية المبالغ فيها كما أن تضمين إشارات ذات طابع إيحائي سواء عبر اللغة أو الإيماء يطرح علامات استفهام حول وعي الفريق المسرحي بجمهوره المفترض.
ورغم مشاركة أسماء وازنة في الساحة الفنية مثل كمال الكاضيمي وجميلة الهوني إلا أن حضورهما لم يفلح في إنقاذ العرض من فوضاه البصرية والدرامية بل إن أداءهما بدا مشلولا داخل رؤية إخراجية غائبة وعرض بلا عمق درامي أو تصعيد شعوري. وهنا لا يتعلق الأمر بمستوى الممثلين بقدر ما يكشف عن أزمة توجيه مسرحي وغياب قيادة فنية قادرة على تأطير التجربة وضبط مكوناتها.
في ضوء هذه التجربة الفاشلة تبرز ضرورة فتح نقاش حول المعايير التي تمنح بها عروض الدعم العمومي هل يكفي مجرد وضع اسم مخرج ونص فوق ملصق العرض لنيل ثقة الوزارة؟ أين هي لجان المشاهدة والتقييم؟ وهل هناك مواكبة فعلية لما يقدم أم أن بعض المشاريع تمنح فقط لأنها تنتمي إلى شبكة ما من العلاقات؟
وخلاصة لما قيل فخلخال أغربال لم تكن مسرحية بل كانت مشهدا عن غياب الرؤية وسوء استعمال الموروث وتهافت على الخشبة. ما كان يمكن أن يكون تجربة فنية جريئة تحولت إلى مرآة للارتجالية المبتذلة والاستهانة بالجمهور والأخطر من ذلك المغامرة بسلامة الأطفال في عرض لا يليق بهم لا أخلاقيا ولا فنيا.
لقد آن الأوان لإعادة النظر ليس فقط في من يصعد على الخشبة بل في من يمكن من ذلك ومن يبارك هذا الصعود.